أميرة صابر تعترض على تعديل قانون الكهرباء: تغليظ العقوبات يفتقر للأساس المعلوماتي
أسامة أبوالدهب
أعلنت النائبة أميرة صابر، عضو مجلس الشيوخ ونائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، اعتراضها الكامل خلال الجلسة العامة لمجلس الشيوخ في مستهل الفصل التشريعي، على مشروع القانون المقدم لتعديل بعض أحكام قانون الكهرباء الصادر بالقانون رقم 87 لسنة 2015، مؤكدة أن هذا الاعتراض سبق أن أبدته بوضوح أثناء مناقشات المشروع داخل اللجنة المختصة.
حماية مرفق الكهرباء
وأوضحت النائبة أن موقفها المعارض لا يستهدف على الإطلاق التقليل من أهمية حماية مرفق الكهرباء باعتباره مرفقًا عامًا حيويًا، وإنما ينطلق من الدفاع عن جوهر التشريع الرشيد، الذي يجب أن يقوم على مبادئ العدالة العقابية والتناسب، وألا يعتمد على الانفعال أو الإطلاق في تغليظ العقوبات دون تسبيب موضوعي يستند إلى بيانات دقيقة وتحليل واقعي يبرر هذا التشديد.
تغليظ العقوبات على سرقة التيار الكهربي
وأكدت أميرة صابر أن الاتجاه إلى تغليظ العقوبات ورفع الغرامات المالية بصورة كبيرة في جرائم الاستيلاء على التيار الكهربائي، دون الاستناد إلى قاعدة بيانات واضحة، أو تحليل حقيقي لأسباب الظاهرة ومناطق انتشارها، ودون طرح بدائل وقائية وتقنية فعالة، يؤدي في النهاية إلى تشريع عقابي غير محكم، قد يتحول من أداة تنظيم وحماية إلى عبء اجتماعي لا يحقق الهدف المرجو منه.
واستندت في اعتراضها إلى ما قرره الفقيه القانوني الألماني رودلف فون أهرينج، من أن القانون ليس غاية في ذاته، بل أداة اجتماعية لتحقيق المقاصد وحماية المصالح، مؤكدة أن جودة النص التشريعي لا تُقاس بقسوة العقوبة أو شدتها، وإنما بقدرته على تحقيق الغاية العملية التي شُرع من أجلها.
وشددت النائبة على أن التغليظ العقابي، إذا جاء مجردًا من تحليل دقيق للواقع، وغير مقترن بأدوات فعالة للمنع والرقابة، فإنه غالبًا ما يقع عبؤه على الفئات الأضعف في المجتمع، دون أن يؤدي إلى غلق منابع الظاهرة أو الحد منها بشكل حقيقي، وهو ما يتعارض مع مبادئ العدالة ويقوض الثقة المجتمعية في التشريع.
الخسائر الفنية في قطاع الكهرباء
وأشارت أميرة صابر إلى التجارب الدولية المقارنة في هذا المجال، موضحة أن التجربة البرازيلية انتهت إلى أن مواجهة الخسائر غير الفنية في قطاع الكهرباء تتطلب حزمة متكاملة من الحلول، تشمل التنسيق بين الجهات المختلفة، واستخدام أدوات القياس والرقابة الذكية، وعدم الاكتفاء بالاعتماد على العقوبة الجنائية وحدها.
كما لفتت إلى أن التجربة الهندية، رغم تبنيها نصوصًا عقابية مشددة، شهدت استمرار ارتفاع الخسائر التجارية في قطاع الكهرباء، وهو ما دفع الدولة لاحقًا إلى التوسع في استخدام العدادات الذكية مسبقة الدفع، وتحسين منظومة التحصيل والرقابة، بدلًا من الاعتماد المفرط على التشديد العقابي.
ولخصت النائبة أسباب اعتراضها في عدد من المحاور الرئيسية، في مقدمتها غياب الأساس المعلوماتي للتشديد العقابي، متسائلة عن مواقع تركز وقائع الاستيلاء على الكهرباء، وأسبابها الحقيقية، ومطالبة الحكومة بتقديم خريطة جغرافية دقيقة توضح المناطق الأعلى في معدلات الاستيلاء، إلى جانب تحليل شامل للأسباب الاقتصادية والاجتماعية والتقنية والرقابية المرتبطة بهذه الظاهرة.
رفع الحد الأدنى لغرامة سرقة الكهرباء
كما أكدت وجود خلل واضح في العدالة العقابية نتيجة رفع الحد الأدنى للغرامة إلى مائة ألف جنيه دون أي تمييز، وهو ما يؤدي إلى مساواة غير عادلة بين المستولي التجاري أو الصناعي الذي يحقق أرباحًا ضخمة، والمستولي المنزلي الذي قد يرتكب المخالفة بدافع الحاجة أو العوز، خاصة في ظل اتساع دائرة الفقر والهشاشة المالية.
وأوضحت أن الأولوية في مواجهة الظاهرة يجب أن تكون للوقاية التقنية، وليس للتشديد العقابي وحده، متسائلة عن خطة الحكومة للتوسع في استخدام العدادات الذكية، وأنظمة كشف العبث، والتحليلات اللحظية، وآليات الإنذار المبكر، مؤكدة أن تحميل المواطن عبء قصور منظومة الرقابة لا يحقق الردع ولا العدالة، بل قد يدفع القاضي في بعض الحالات إلى استخدام الرأفة بسبب عدم التناسب، ما يؤدي في النهاية إلى إفلات الجاني من العقوبة.
وأكدت النائبة أميرة صابر أن الدولة تمتلك ثروة هائلة من البيانات والمعلومات، وإذا جرى استغلالها باستخدام أدوات التحليل والتكنولوجيا الحديثة، فإن ذلك سيضع مصر في موقع مختلف تمامًا على خرائط الاستثمار وكفاءة إدارة المرافق، مشددة على أن الاستمرار في نهج تغليظ العقوبات بصورة تقليدية لا يتماشى مع التطور التكنولوجي، ولا يحقق الردع الحقيقي، ولا يمنع الهدر أو الاستيلاءات بشكل فعّال.




