هيثم آمان يكتب : من "جرس الإنذار" إلى "قرارات الحسم".. ما زال للمسار بقية
لقد كانت الحوادث المؤسفة التي شهدتها بعض مدارسنا مؤخرًا، وتحديدًا واقعة الاعتداء بإحدى المدارس الدولية، بمثابة "جرس إنذار" شديد أيقظ فينا جميعًا – مسؤولين، وسياسيين، وأولياء أمور – استشعارًا عاليًا بالخطر الذي يهدد أمان أبنائنا في محراب العلم، ما دفعنا في حزب المؤتمر، انطلاقًا من مسؤوليتنا الوطنية والمجتمعية، إلى طرح رؤية شاملة عاجلة للتعامل مع هذا الخلل، مؤكدين حينها أن الأمر يتجاوز الوقائع الفردية ليعبر عن أزمة تتطلب حلولًا جذرية لا مسكنات مؤقتة، وأن المدرسة يجب أن تستعيد حصانتها التربوية والأخلاقية قبل دورها التعليمي، من خلال سجل أخلاقي ومنظومة إنذار مبكر واختبارات نفسية دقيقة، لضمان بيئة آمنة تليق بأطفال مصر ومستقبلها.
وفي هذا السياق، لا يسعنا إلا أن نثمن عاليًا الاستجابة السريعة والواعية من السيد محمد عبد اللطيف، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، بإصداره الكتاب الدوري، الذي حمل حزمة من القرارات الحاسمة التي تلاقت بشكل مباشر مع جوهر الرؤية التي طرحناها، لا سيما فيما يتعلق بتحديث منظومة كاميرات المراقبة لتغطية كافة المساحات دون استثناء، وتشديد إجراءات تعيين السائقين والمشرفين، وإلزام المدارس بالكشف الدوري عن المخدرات، وحظر تواجد عمال الصيانة أثناء اليوم الدراسي؛ فهذه القرارات تمثل حجر زاوية ضروريًا لضبط إيقاع المدارس الخاصة والدولية، وتعكس إرادة سياسية حقيقية لفرض الانضباط واستعادة هيبة المؤسسة التعليمية وسلامة طلابها.
ورغم أهمية هذه الخطوات التي نعتبرها انتصارًا لصوت العقل والحرص على المصلحة العامة، فإننا نؤكد أن الطريق نحو المدارس الآمنة لا يزال بحاجة إلى مزيد من الإجراءات التكميلية لضمان فعالية هذه القرارات؛ إذ تظل الحاجة ملحة لتطبيق ما طرحناه بشأن الاختبارات النفسية والتربوية كشرط للتعيين، فتحليل المخدرات وصحيفة الحالة الجنائية – على أهميتهما القصوى – يكشفان عن الجانب الجنائي والبدني فقط، بينما تظل السلامة النفسية والاتزان السلوكي للمعلمين والإداريين مناطق رمادية تحتاج إلى كشافات ضوء قوية، تضمن لنا أن من يتعامل مع أطفالنا مؤهل سويًا وقادر على ضبط انفعالاته وغرائزه، ما يستدعي إنشاء ملف تتبع سلوكي أو سجل أخلاقي يرصد أي تجاوزات قد لا ترقى للجريمة الجنائية ولكنها تمثل مؤشر خطر يستوجب الانتباه.
علاوة على ذلك، فإن الشق الوقائي يتطلب تفعيلًا حقيقيًا لمنظومة الإنذار المبكر التي أشرنا إليها سابقًا، والتي تعتمد على إعادة تعريف دور الأخصائي الاجتماعي والنفسي، لا ليقوموا فقط بحملات توعية موسمية كما نصت القرارات الأخيرة، بل ليمتلكوا أدوات رصد مهنية لاكتشاف الضحايا الصامتين أو المعتدين المحتملين قبل وقوع الكارثة. هذا يتطلب بالضرورة وجود قنوات إبلاغ آمنة وسرية للطلاب وأولياء الأمور، تضمن سرعة التحرك دون خوف من وصمة أو عقاب، مع ضرورة إشراك المجتمع المدني وأولياء الأمور في لجان حماية ومراقبة حقيقية تضمن عدم تحول القرارات الوزارية إلى مجرد حبر على ورق بمرور الوقت.
ختامًا، إننا إذ نشد على يد وزارة التربية والتعليم في قراراتها الجريئة، نعتبر أننا أمام فرصة ذهبية لإعادة صياغة العقد الاجتماعي داخل مدارسنا، ولكن العبرة دائمًا تكمن في استدامة التنفيذ وصرامة الرقابة؛ لذا فإننا نطالب أجهزة الوزارة المعنية بعدم الاكتفاء بالتعاميم الورقية، بل بتكثيف الزيارات الميدانية المفاجئة للتأكد من تطبيق كل بند من بنود الكتاب الدوري، والنظر بجدية في باقي محاور رؤيتنا الخاصة بالتأهيل النفسي المستمر لكافة أطراف العملية التعليمية، لنصل معًا إلى منظومة تعليمية تربوية آمنة، يطمئن فيها كل أب وأم على فلذات أكبادهم بمجرد عبورهم باب المدرسة.







